كان صاحب القصة رجلا مسلما تجاوز عمره الخمسين عاما ... حصل على شهادة الدكتوراه في تخصصه وهو المختبرات ، أنشأ مختبرا للتحاليل الطبية وعمل فيه بنفسه ...
له زوجة وأبناء بعضهم يدرس في الجامعة ...
وقعت بينه وبين زوجته بعض المشكلات العائلية كما يقع في كثير من العوائل ، تطورت هذه المشكلات حتى طلبت منه زوجته العودة إلى بلدها الأصلي ، علما بأن صاحب القصة ليس من نفس البلد ... غادرت الزوجة مع أبناءها لتقيم هنالك ، ولم يبق معه أحد إلا ابنه الأكبر الذي كان يتردد عيه بين فترة وأخرى ... ... نصحه بعض أقاربه بالزواج بأخرى ، لكنه رفض على أمل أن تعود إليه زوجته وأبناءه ...
بعد مرور عام تقريبا على مغادرتها ضاقت الدنيا في وجهه وبدأ الشيطان يزين له التخلص من هذه الحياة التعيسة ويرغبه في الانتحار ...
حاول الانتحار أكثر من مرة عن طريق تعاطي كمية كبيرة من الحبوب ... ولكن لم تنجح محاولاته في كل هذه المرات حيث ينقذه بعض من حوله ويدخل إلى المستشفى ويعمل له غسيل معدة ويخرج إلى الحياة من جديد ، وهكذا تكررت محاولاته ولكن دون جدوى ....
أصيب الرجل بعد ذلك بحالة نفسية اضطرته للدخول إلى المستشفى والبقاء في قسم الأمراض النفسية قرابة الشهر ...
خرج من المستشفى بمعنويات مرتفعة وهمة عالية وحماس للعمل وأزيلت من ذهنه فكرة الانتحار تماما ، وعاد الرجل إلى عمله في المختبر وسارت الأمور بشكل طبيعي ....
بعد ذلك بحوالي ثمانية أشهر وفي ذات ليلة يتصل هذا الرجل على أخيه الأكبر وهو في مدينة تبعد عنه قرابة أربعمائة كيلومتر ... ظن أخيه بأنه يتصل علي كالمعتاد للاطمئنان عليه ... ولكنه أبلغه بعزمه على السفر إلى زوجته وأبناءه في القريب ... وأبلغه في هذه المكالمة عن جميع المعلومات الخاصة به مثل حسابه في البنك والأرقام السرية الخاصة وأماكن وجود مستنداته الخاصة وغير ذلك ... استغرب الأخ من ذلك وشعر بأنه يودعه توديعا نهائيا وكأنه سيغادر دون عودة ...
وفي اليوم التالي وكان ذلك يوم الخميس 21/11/1421هـ خرج إلى عمله بالمختبر في الفترة المسائية وكانت الساعة حوالي الخامسة ، وأبلغ ابنه الأكبر الذي يبلغ من العمر عشرون عاما بأن يتبعه إلى المختبر بعد نصف ساعة ، وكان المختبر بالقرب من المنزل .
وبالفعل ذهب الابن إلى المختبر كما طلب منه والده فوجد والده جالسا في المكتب الخاص بالمختبر ...
بعد وصول الابن بدقائق قال صاحب القصة لولده ابق هنا حتى أذهب إلى دورة المياه وكان يفصل بينها وبين المكتب ممر طوله حوالي عشرة أمتار ...
جلس الابن في المكتب ينتظر عودة والده .... وبعد عدة دقائق من الانتظار وجد دخان يخرج من جهة الممر المؤدي إلى دورة المياه خرج مسرعا جهة مصدر الدخان فوجده في داخل دورة المياه واشتد الدخان في الممر فلم يتمكن من الوصول إلى دورة المياه ...
اتصل مسرعا بالمطافي وكان موقعهم قريبا من المختبر ، وما هي إلا دقائق وإذا بهم في داخل المختبر ... بدأ رجال الإطفاء بعملهم ، وكسروا الباب الخاص بدورة المياه ، وإذا بهم يجدون الرجل والنار قد التهمت جسده وأصبح متفحما تماما أما دورة المياه فقد سقط بعض البلاط (البورسلان ) منها من شدة الحرارة ولم يحترق أي شيء آخر سوى أجزاء من الباب ، ووجدوا في إحدى زوايا دورة المياه جالونا قد احترق جزءاً منه وبداخله كمية قليلة من البنزين ...
عندها عرف الجميع بأن الرجل أحرق نفسه بواسطة البنزين ليتخلص هذه الحياة التعيسة في نظره ويرتاح منه همومها وغمومها ...
وهكذا نجحت محاولته للانتحار في هذه المرة وقتل نفسه شر قتله ، فهل سيجد سعادته وراحته من هذه الدنيا في مكان آخر ؟ هل أنهى تعاسته وشقاء ؟
كلا وألف كلا إنه قدم نفسه إلى تعاسة أبدية وشقاء دائم ونار لا تنطفئ نسأل الله السلامة والعافية .